بناء الحب في الزواج - بناء زواج يلبي احتياجات الزوجين العاطفية

الكاتب: رملة جمعه الموالي
عن الكاتب: باحث اجتماعي
التصنيف: غير مصنف

في قسم الخدمات الاجتماعية بالمراكز الصحية نقوم بتقديم العديد من الخدمات التي تهدف الى تعزيز الاستقرار النفسي و الأسري في المجتمع ، وتعد خدمة المشورة الزواجية من أبرز هذه الخدمات ، حيث يتم مساعدة المقبلين على الزواج للاستعداد الى الحياة الزوجية وحل ما قد يطرأ من مشكلات زواجية قبل الزواج و إثنائه و بعده من خلال جلسات متخصصة في الارشاد الزواجي .

في احدى هذه الجلسات سألني أحد الشباب حديثي الزواج السؤال التالي: ما هو الحب برأيك ؟ و كيف يمكن الحفاظ عليه بعد الزواج ؟

إن هذا التساؤل كثيرا ما يشغل الشباب قبل الارتباط بالزواج كما أنه يطرح من قبل الكثير من المتزوجين الذين اختبروا الحياة الزوجية وفي وقت ما شعروا بفتور العلاقة الزوجية وفقدوا ذلك الارتباط العاطفي بدرجة أو بأخرى ..

فما هو الحب من وجهة نظر علم النفس ؟

طبيب الأعصاب و الطبيب النفسي  النمساوي  فيكتور فرانكل يقدم لنا في كتابه ( الانسان يبحث عن المعنى )  تعريفه العميق للحب في أسمى معانيه فيقول :

" الحب هو الطريقة الوحيدة التي يدرك بها الانسان كائنا انسانيا آخر في أعمق أغوار شخصيته فلا يستطيع انسان أن يصبح واعيا كل الوعي بالجوهر العميق لشخص آخر الا اذا  أحبه ، فبواسطة الفعل الروحي للحب ، يتمكن الانسان من رؤية السمات و المعالم الأساسية في الشخص المحبوب ، بل ان الانسان يرى أكثر من ذلك ، ما هو كامن في الآخر ، يرى ما ينبغي أن يتحقق فيه بعد،  و علاوة على ذلك ، فان الشخص المحب بحبه انما يمكِّن الشخص المحبوب من تحقيق امكاناته، فبواسطة تبصيره ليكون على وعي بما يمكن أن يكون عليه و بما ينبغي أن يصير عليه ، انما يجعل مما كان كامنا من هذه الامكانات حقيقة واقعه ".

أما العالم النفسي الامريكي  ويلارد إف . هارلي ، الابن  والذي قضى أكثر من 25 عاما في تقديم الاستشارات الزواجية فيرى أن للحب تعريف بسيط جدا " الشعور بالحب تجاه شخص ما  يعني الإحساس الجيد كلما كان هذا الشخص متواجد ا حولي " .

ان هذا الشعور الجيد أو الطيب برأيي هو مرادف للسكن في قوله تعالى : " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا اليها و جعل بينكم مودة ورحمة " فالسكن يختزن في داخله الكثير من المعاني المرتبطة بإشباع الحاجات العاطفية حيث الشعور بالدعم والرفقة و الأمان  وهذا ما يبحث عنه الناس حين يفكرون في الزواج .

في السابق و لسنوات غير بعيدة  كان  المرشدون و علماء النفس يركزون في الارشاد الزواجي  على تدريب الأزواج على مهارات تتعلق بالتواصل وادارة الخلافات و حل النزاعات ، وفي العام 1995 أفادت دراسة عن العلاج النفسي تم اجراؤها بواسطة (consumer report ) أن علاج المشاكل الزوجية لا يزال يحتل المرتبة الأدنى من حيث الفعالية بين أنواع العلاجات المختلفة .

و الحقيقة التي يغض كثير من  المرشدين الزواجيين النظر عنها هي أن كثير من الزيجات تفشل برغم أن الشركاء يعرفون شيئا عن مهارات التواصل وحل النزاعات ولكنهم لا يمتلكون الرغبة الكافية  للعمل بها لأنهم فقدوا الشعور الجيد تجاه بعضهما .

يقول الدكتور هارلي في كتابه " احتياجاته و احتياجاتها"  : " اننا كمرشدين اذا أردنا أن نصبح قادرين على انقاذ الزيجات من الفشل فعلينا أن نتجاوز مجرد تحسين التواصل ، وعلينا أن نتعلم كيف نساعدهما على استعادة الحب المفقود بينهما ".

ولهذا فإن أهم سؤال ينبغي لمن تعصف المشكلات بحياتهم الزوجية أن يسألوا أنفسهم اياه هو : ما الذي نحتاجه من أجل أن نعود زوجين سعيدين مرة أخرى ؟

و من اللافت والمدهش أن بعض الأزواج لا يعرفون ما يجعلهم سعداء في حين يوجد أزواج لا يرغبون في فعل ما يسعد شركاؤهم ، وهنا يأتي دور المرشد الزواجي عن طريق مساعدة الأزواج للتعرف على احتياجاتهما أولا ثم تحفيز كل واحد من الزوجين على تلبية احتياجات الآخر .

لقد كان الدكتور هارلي يسأل كل زوج على حدة السؤال التالي: ما الذي يمكن لشريك حياتك أن يفعله من أجلك لكي تصبح في أسعد حال ؟

و قد تمكن من تصنيف اجابات الأزواج إلى عشرة احتياجات عاطفية وهي : الاعجاب و الحب و المحادثة و الدعم المنزلي و الالتزام العائلي و الدعم المالي ، و الأمانة و الصراحة ، و الانجذاب الجسدي، و الصحبة الممتعة ، و الإشباع الجنسي .

بعد هذا كان يطلب من الأزواج أن يقوموا بترتيب هذه الحاجات حسب أولويتها بالنسبة اليهم وهنا كانت الملاحظة الأكثر الأهمية ، فمن الاحتياجات العشر وجد أن خمسة احتياجات لدى الرجال هي في الغالب الأقل أهمية بالنسبة للنساء ، و العكس صحيح، و هذا ما يفسر الاشكال الحاصل فكل واحد من الزوجين يكون راغبا في تلبية الاحتياجات التي يراها هو مهمة فما يقدره الزوج أكثر تقدره الزوجة أقل والعكس بالعكس !

لقد شُرِّع الزواج ليلبي كل هذه الاحتياجات الفطرية والطبيعية والتي يحتاجها الانسان بشدة ليكون انسانا متوازنا و فاعلا في المجتمع ، فإذا حدث أي نقص في اشباعها فإننا أمام منحدرين خطرين فإما الانزلاق في منحدر العلاقات خارج اطار الزواج و للأسف ينخرط الناس في مثل هذه العلاقات رغم مخالفتها لمعتقداتهم الدينية و قيمهم الأخلاقية ، وقد أصبح الأمر متاحا و سهلا مع تطور برامج التواصل الاجتماعي .

 أما الأزواج اللذين يحافظون على مبادئهم و قيمهم في الوقت الذي لا تشبع احتياجاتهم فيلجأوون الى الكتمان وكبح هذه الحاجات عن طريق الانشغال بأعباء الحياة المختلفة كالغوص في العمل أو تربية الأبناء ، وهو منحدر خطر جدا أيضا قد يقود الى الاضطراب والمرض حيث يعاني الطرف الذي لا يحظى بالإشباع المناسب من الأعراض السيكوسوماتية كالصداع المزمن والقولون العصبي و مشاكل الهضم و تشنج العضلات وفي حالات كثيرة تتحول هذه الأعراض الى مرض نفسي كالقلق و الاكتئاب . .

إن فشل الأزواج في تلبية الاحتياجات العاطفية لبعضهما البعض يأتي في أغلب الأحيان نتيجة لجهلهم بهذه الاحتياجات و ليس بسبب الأنانية أو عدم الرغبة في مراعاتها ، و إشباع هذه الاحتياجات لا يعني أن يضطر الزوج أو الزوجة الى مغالبة أنفسهم و فعل أشياء لا يحبونها ، ولكن هذا يعني أن يكون كل منهما مستعدا لتلبية احتياجات قد لا يراها مهمة .

 

فالالتزام في الزواج يعني أن أكون مستعدا لتلبية احتياجات الشريك حتى و ان كانت لا تمثل حاجة أولية بالنسبة لي ، وحتى أتمكن من ذلك ينبغي أن أتقبل و أحترم  الاختلافات بيننا كرجل وامرأة لكل منا طبيعته الخاصة واحتياجاته المختلفة .

لهذا ينبغي لكل زوجين يسعيان الى الحب والى بناء زواج يلبي احتياجاتهما العاطفية أن يثابرا لفهم بعضهما بالحوار الواعي والمطالعة واستشارة الخبراء ، وأن يساعد كل منهما شريكه لفهمه بالمصارحة والتحدث عن حاجاته .

وفي وقت ما عندما تصل الأمور الى طريق مسدود على أحدهما أو كلاهما أن يتحلى بالشجاعة الكافية ليقول للآخر  : آسف ، لقد أدركت لتوي أنني لا أحاول فهمك . هلا بدأنا من جديد ؟!

 

* المصادر :

  1. كتاب : احتياجاته و احتياجاتها ، بناء زواج يلبي احتياجات الزوجين و يحقق لهما الاشباع / الدكتور ويلارد إف. هارلي،الإبن.
  2. كتاب: الانسان يبحث عن المعنى / الدكتور فيكتور فرانكل .