الاجتماعيون والتمهين الاجتماعي

الكاتب: رملة جمعه الموالي
عن الكاتب: باحث اجتماعي
التصنيف: الأيام الصحية الدولية

يحتفل الاجتماعيون في السابع عشر من مارس باليوم العالمي للعمل الاجتماعي ويخصص شهر مارس حسب الجمعيات المهنية الاجتماعية العالمية لتوعية الجمهور حول اسهامات العاملين الاجتماعيين ودورهم في تعزيز الاستقرار الأسري والنفسي والاجتماعي، بالاضافة إلى تسليط الضوء على أهم القضايا التي تشغل العاملين في هذا المجال وتسهم في تطوير عملهم.

ويأتي موضوع التمهين الاجتماعي في مقدمة المواضيع التي تؤرق العاملين الاجتماعيين ، ففي بلدان عديدة من العالم أصبح التمهين من المسلمات، حيث يمتلك المرشد الأسري الاعتبار المهني كما يمتلكه الطبيب، والممرض، و المهندس، وكما أنك تقصد الطبيب لإجراء أبسط العمليات الجراحية، فإنك تقصد المرشد الأسري عندما تواجه مشكلة أسرية.

أما في البلدان النامية فما زلنا في بداية الطريق، وبرغم أننا في مملكة البحرين قطعنا شوطا طويلا في العمل الاجتماعي كجمعيات أهلية ومؤسسات حكومية إلا أن التمهين الاجتماعي تأخر طويلا، فظهرت حالة من الخلط بين أدوار المتخصص وغير المتخصص وصار من الممكن أن يقوم أشخاص غير مؤهلين بدور المعالج الأسري بعد الحصول على عدة دورات في التنمية البشرية، وقد شهدنا مع تطور وتنوع وسائل التواصل الاجتماعي انتشارا محموما لأسماء الكثيرين كمتخصصين في العلاقات الزاوجية والإرشاد الأسري.

إن أهمية هذا الموضوع تتزايد مع المخاطر المترتبة على تصدي غير المتخصصين لمعالجة مشاكل دقيقة تؤثر على الصحة النفسية للأسرة وفهم طبيعة الأدوار والمسئوليات داخلها، مما يزيد الخشية من الوصول إلى نتائج عكسية وتكريس الاستمرار لأشكال مختلفة من الاضطرابات في العلاقات الزوجية والأسرية .

من ذلك على سبيل المثال لا الحصر، أن يلجأ زوجان يعانيان من مشاكل جوهرية في الاتصال إلى جهة ارشادية غير متخصصة  ثم يتم الصلح بينهما من أجل الأبناء والحفاظ على الأسرة دون العمل معهما على اكتساب المهارات التي يحتاجانها، فيتطور الأمر إلى حالة من الإنفصال العاطفي ، وتتدهور العلاقات داخل الأسرة وفي مرحلة متقدمة قد تسوء الأمور وينفصل الزوجان بعد سنوات من المعاناة .

النيات الحسنة لا تكفي لجبر الكسور وشفاء الجروح الغائرة، الصبر لا يكفي لحل المشكلات الأسرية العالقة ، التجاهل والمسايرة لا يغنيان عن اكتساب المهارات الضرورية لتحسين العلاقات مع الأبناء، هناك خلف كل مشكلة تحدث في الأسرة نقص في مهارات معينة ينبغي أن تكتسب أو فهم خاطئ ينبغي أن يتم تصحيحه وهذا لا يتم إلا من خلال عملية ارشادية مهنية عن طريق معالج متخصص و مدَرب ولديه من الخبرة ما يؤهله للتعامل مع هذه المشكلات .

أن تكون مهنيا ، يعني أن تزاول العمل بعد الحصول على تأهيل علمي يزودك بالمعارف المتخصصة والمهارات الضرورية .

أن تكون مهنيا يعني أن تعرف حدود عملك وقواعده بحيث لا تختلط عليك الأمور، ولا تقوم بعملك بطريقة اجتهادية.

أن تكون مهنيا يعني ألَا تتوقف عند حدود ما وصلت إليه من معرفة بل تستمر في التعلم بحيث تواصل تحديث معلوماتك ومهاراتك بما يتناسب مع التحديات التي تفرضها المشكلات المستجدة في المجتمع.

أن تكون مهنيا يعني أن تراعي الأخلاقيات المهنية المرتبطة بمجال عملك، فتصون كرامة الانسان وتحافظ عليها .

أن تكون مهنيا يعني ألَا تخاطر بحياة الناس بادعاء المعرفة، وأن تكون لديك الشجاعة الكافية لقول لا أعرف عندما تظهر الحاجة إلى متخصص أكثر خبرة ودراية .

لهذا كان الارشاد الأسري مهنة، ولهذا انبرت عدد من الجمعيات و المؤسسات الاجتماعية في السنوات الأخيرة لعقد الملتقيات المهنية والمؤتمرات الاجتماعية لطرح القضايا الأساسية المرتبطة بالتمهين الاجتماعي و التي ينبغي لنا كمرشدين أسريين أن نكون على وعي كامل بها.

وقد لاقى هذا الموضوع اهتماما من المسئولين وأصحاب القرار ففي أكتوبر الماضي تولى وزير العمل والتنمية الاجتماعية السيد جميل بن محمد علي حميدان رعاية ( ملتقى الإرشاد الأسري بين المهنية والمسئولية في دول مجلس التعاون الخليجي) والذي تم التنظيم له من قبل مركز عائشة يتيم للإرشاد الأسري التابع لجمعية نهضة فتاة البحرين، حيث أكد الوزير على أهمية وضع رؤية وطنية لتطوير خدمات الارشاد الأسري وفقا للمعايير الدولية .

إن هذا الاهتمام من أصحاب القرار برأيي يحتاج الى استجابة موازية من الجهات التعليمية في المملكة متمثلة بمجلس التعليم العالي والجامعات الأكاديمية وذلك عن طريق فتح برامج الدراسات العليا في مجال الارشاد الاجتماعي و النفسي  والخدمات الاجتماعية المتخصصة كالخدمة الاجتماعية الطبية، وعلى اتصال بذلك يأتي دور المؤسسات في  تمكين العاملين الاجتماعيين من الالتحاق بهذه البرامج .

في الواقع يرغب معظم العاملين الاجتماعيين في رفع مستوى تأهيلهم والتخصص في مجالات عملهم خصوصا وأن التعامل مع المشكلات الأسرية والاجتماعية هو أمر بالغ التعقيد يتطلب من المرشد أن يجدد معلوماته ومهاراته ولكن  الاشكالية تقع في محدودية البرامج الموجودة في الجامعات المحلية، وفي الشروط المفروضة للتسجيل في هذه البرامج.

من المهم أن يكون لنا حضورنا الفاعل في وسائل الاعلام المختلفة، فالتوعية المجتمعية بقضايا الصحة النفسية والمشاركة في طرح ومناقشة المشاكل التي تستجد في المجتمع مع ابداء الرأي حول طرق التعامل الصحيحة معها هو جزء لا يتجزء من دور المرشد الأسري، وربما كان بروز ظاهرة المرشدين غير المتخصصين مرتبطا بدرجة أو بأخرى بغياب المتخصصين عن الظهور في وسائل الاتصال الحديثة، ولا بأس أن نعترف بتقصيرنا ودورنا في ترك هذا الفراغ الذي وجد ما يمتلأ به .

وفي هذا العام نظم قسم الخدمات الاجتماعية بالرعاية الصحية الأولية احتفالاً بمناسبة اليوم العالمي للخدمة الاجتماعية،  وذلك في جمعية الحكمة للمتقاعدين، وبمشاركة اقسام الخدمة الاجتماعية في كل من مجمع السلمانية الطبي والطب النفسي، المراكز الصحية تم خلالها أبراز حجم العمل الذي انجزه القسم خلال العام 2017م، ومقارنته بمتوسط حجم العمل للأعوام السابقة، واستعراض لأهم الخدمات والبرامج المنجزة وانعكاسها على تأكيد الدور الإيجابي للباحث الاجتماعي كجزء فعال من الفريق الطبي في المركز الصحي.

والآن علينا  كمتخصصين في العلوم الانسانية أن نكون ملمين بكل ما يتعلق بعملية الترخيص المهني لمزاولة العمل الإرشادي في المجال الاجتماعي والنفسي على المستويين الرسمي والأهلي ، وما أحوجنا كزملاء مهنة واحدة إلى توحيد الرؤى و شحذ الهمم من خلال التشبيك بين المؤسسات لتنسيق الجهود، وتهيئة الفرص، وتبادل الخبرات.

ومن الأهمية بمكان أن يشكل العاملون الاجتماعيون المتخصصون جسما مهنيا يحمل على عاتقه هذا الموضوع ويعتبره  قضيته الأولى ويرفعها إلى أصحاب القرار ويعيد طرحها في المحافل العلمية والمهنية، مستفيدين من خبرة الجمعيات الاجتماعية على المستوى المحلي والأقليمي وحتى العالمي .

إن طموحنا في الواقع لا ينبغي أن يتوقف على التمهين الاجتماعي بل على الاحترافية المهنية، وهي درجة أعلى من ناحية أن يكون لدينا انتاج فكري متخصص وأدوات مهنية محكَمة، فالتمهين الاجتماعي قبل أن يكون طريقنا الى التطور الوظيفي، هو سبيلنا للاضطلاع بمسئوليتنا تجاه أنفسنا وأبنائنا وأسرنا ومجتمعنا الكبير .

وكل عام والاجتماعيون أهل العلم والعطاء بلا توقف..