قواعد التعاطي السليم مع المعلومات المتعلقة بالصحة

قواعد التعاطي السليم مع المعلومات المتعلقة بالصحة

28/08/2017


إعداد: الدكتورة عبير الغاوي | القائم بأعمال ادارة تعزيز الصحة 

تُشير آخر استطلاعات الرأي حول مصادر المعلومات الصحية بمملكة البحرين أن الانترنت هو من أهم مصادر المعلومات الصحية وأكثرها استخداماً بين سكان المملكة خلال الأعوام الثلاث الماضية حسب نتائج بحوث الكترونية لشركة زاركا بالتعاون مع إدارة تعزيز الصحة بوزارة الصحة وبالرغم من أن هذا يُعد إشارة جيدة على زيادة الوعي الصحي وتطور آليات ومصادر التوعية الصحية، حيث أن المعلومات الطبية التي تُنشر على مواقع الإنترنت قد تكون مفيدة أحياناً في التعرف على طبيعة المرض وأسبابه وطرق علاجه ويمكن الاستفادة منها في تعزيز المسؤولية الذاتية للعناية بالصحة ، إلا أنها لا تغني عن زيارة الطبيب في حال حدوث اي مشكلة صحية حقيقية مهما بلغت من الدقة والصواب. وترى منظمة الصحة العالمية أن الإنترنت يُعتبر مصدراً يزخر بالمعلومات المفيدة ، إلا أنها قد تخلو من المصداقية وربما تكون مشبوهة أو مضللة في كثير من  الأحيان، لعدة أسباب منها عدم وجود لوائح وقوانين دولية تنظم هذا الميدان .

ويتداول ملايين من البشر المعلومات الصحية على شبكات التواصل الاجتماعي لحظيا، مما يشكل خطورة كبيرة على الأشخاص الذين يسارعون بتطبيق محتواها دون الرجوع للجهات الصحية الرسمية أو للطبيب المعالج، فالكثير من هذه المعلومات تتعلق بالأمراض الصحية الخطيرة كأمراض القلب والسرطان والسكري والفشل الكلوي وغالبا ما تكون مضللة ويتم مشاركتها على نطاق واسع بسبب طبيعتها المثيرة والحماسية، هذا مقارنة بالتقارير الصحية الرسمية التي يتم اعدادها بناء على كم كبير من البراهين البحثية والأدلة العلمية وتصدرها  الجهات الطبية ذات المصداقية الا انه وللأسف قد يتم تجاهلها او لا تلاقي الانتشار الكافي والسريع لكونها معتدلة ولا تغذي روح الاثارة والمبالغة، ونحن نلحظ يوميا مئات الرسائل المتناقلة بسرعة البرق في مجموعات الواتس اب او في الانستجرام او في تغريدات التويتر،  حول علاجات شعبية ذات نتائج باهرة،  وقصص شفاء من داء السكري والفشل الكلوي والسرطان وغيرها من الامراض العضال باستخدام نباتات وخلطات عشبية واغذية محددة دون غيرها،  تقفل بجملة (دعواتكم لنا وانشر لتؤجر) ومثل ذلك تنتشر رسائل أخرى حول خطورة تناول بعض الادوية وسحبها من الاسواق ثم يتم تكذيبها من السلطات الصحية، وهكذا فان بحر الاشاعة الصحية غني لا يكاد ينضب،  فعلى سبيل المثال نشرت صحيفة الإندبندنت في النصف الاول من 2017 تحليلاً أجرته لأكثر 20 مقالا تضمن كلمة "سرطان" في العنوان تم مشاركته على فيس بوك خلال عام 2016، وتبين ان نصف المعلومات الواردة غير صحيحة ويتم تكذيبها من قبل الأطباء والسلطات الصحية أو مباشرة من المصدر الوارد ذكره في المادة. و في هذا الصدد أدخل الفيس بوك التدابير التي تتيح الإبلاغ عن الأخبار غير الموثوقة على الموقع، فعلى سبيل المثال لا الحصر وجد ان ثلاثة من ضمن أفضل خمسة مقالات تضمنت "فيروس الورم الحليمى البشرى" في العنوان، قد حصلت على أكبر عدد من المشاركات والاعجاب على فيس بوك، كانت غير صحيحة بعد التحقق منها، كما نشر احد مواقع الانترنت مقالا عن دور  "عشبة الهندباء في تقوية  جهاز المناعة وعلاج السرطان" والتي تلقت أكثر من 1.4 مليون لايك على فيس بوك ، وتعليق ومشاركة ، رغم أن فاعلية هذه العشبة في علاج تلك الأمراض مازالت محل دراسة، ولم يتم تأكيدها حتى الآن.

إنه من المثير للقلق هذا العدد الضخم من الأخبار الصحية المفبركة أو غير المؤكدة في أفضل الأحوال، والتي يتم تداولها على شبكة الإنترنت والذي تهدد بفقدان الثقة في المؤسسات الصحية والعلاجات الطبية المتطورة والامنة والتي استغرق تطورها سنينا من البحث والجهد وملايينا من الدولارات والذي ما من شك انه يؤثر سلبا على صحة الناس ويهدد حياتهم بالخطر ويثني البعض من الاستفادة من علاجات مثبت فاعليتها وسلامتها. ان البعض من هذه الاشاعات غير المتزنة، والتي لا أساس لها من الصحة،  يمكن أن يؤدي إلى نشأة مخاوف غير مبررة، لدى عامة الناس حول خطورة بعض العلاجات او التطعيمات  مما يهدد الصحة العامة ويساعد في انتشار اوبئة قد تم القضاء عليها واحتوائها بفضل التطور في هذا المجال، واضافة لكل ذلك فقد انتج استخدام المعلومات الصحية في هذه المواقع المختلفة نوعا حديثا من أنواع وسواس المرض يعرف بسايبركوندريا، أي توهم المرض بسبب معلومات الإنترنت .. 

إن الإنترنت يعد مصدراً خطراً للمصابين بوسواس المرض، حيث ان توافر المعلومات بغزارة (على الشبكة) يمكن أن يمثل مشكلة للمصاب بالمرض لأنه  يعزز المخاوف التي تنتابه. وبالرغم من ان الكثير من الناس يتصفح الإنترنت لتهدئة مخاوفه الصحية، إلا أن العكس يحدث في أغلب الأحيان. فسرعان ما قد يغير البحث على الانترنت مفاهيم الشخص حول عرض شائع كالصداع الناتج عن  الإرهاق أو الجفاف ليعتقد أنه ورم في الدماغ وقد استحدث مصطلح سايبركوندريا الناتج عن  قلق المرء الذي لا أساس له إزاء حالته الصحية بسبب زيارة المواقع الإلكترونية الطبية،  على غرار مرض الهايبوكوندريا (وسواس توهم المرض).

إن المعلومات المتعلقة بالصحة التي يتم تداولها على شبكة الإنترنت او قنوات التواصل   وبأشكال مختلفة من فيديوات وقصص مرضى تنتشر في لحظات من والى الدول في اقاصي الارض دون اي تأشيرة او جواز مرور وسيكون تأثيراتها سلبية اذا لم يكن لدى الجمهور المتلقي مهارات النقد والتحليل.. لذا فإنه من الواجب علينا التعاون في ايجاد وعي مجتمعي عالي وتعزيز مسؤولية الافراد وبخاصة ممن لديهم حضور جماهيري كبير في هذه المواقع لنشر ابجديات التعامل السليم مع هذا الكم الهائل من الرسائل،

وهذه بعض القواعد الهامة حول التعاطي السليم مع المعلومات المتعلقة بالصحة سواء على صفحات الانترنت او عبر مواقع التواصل الاجتماعي  للحد من تداعياتها السلبية على الصحة الشخصية والصحة العامة :

 

·    الحد من تداول المواد و الرسائل الصحية التي تشك بصحتها لمنع انتشارها فعند استلام اي من الرسائل الصحية الصادرة عن اشخاص غير معروفين أو هيئات غير معروفة تعامل معها بحياد ولا تساهم في نشرها او تفضيلها مالم تتحقق من صحتها فلابد من الرجوع للمصادر الصحية الموثوقة كموقع وزارة الصحة البحرينية او عبر خدمة تواصل ويمكن الاطلاع ومتابعة نظيراتها من وزارات الصحة بدول الخليج حيث تنتشر معظم هذه الرسائل بين مواطنيها و يمكن ايضا الرجوع لموقع منظمة الصحة العالمية، واما فيما يخص الاستشارات الفردية المتعلقة بالعلاج المباشر فننصح  باستشارة طبيب العائلة او  ذوي الاختصاص من الاطباء الاستشاريين والعاملين الصحيين المرخصين؛  وفيما يتعلق بالادوية والمستحضرات الطبية او شائعات سحبها من الاسواق  فيمكن التواصل مع هيئة تنظيم المهن الصحية وموقعها الالكتروني للتحقق والاستفسار عن ذلك.

 

·        إن البحث عن المواضيع الصحية على صفحات الإنترنت قد يكون مفيداً لتعزيز اعتماد المرء على نفسه واكتسابه الثقة عند التعامل مع الأمراض؛ غير أنه من المهم التشكك دائماً في المعلومات المستمدة من الشبكة المعلوماتية وعدم اعتبار الإنترنت مصدراً أكثر مصداقية من الطبيب المعالج. وعلى هذى الأساس يوصى الأشخاص الذين يبحثون عن المعلومات الطبية على شبكة الإنترنت باتباع الإرشادات الخاصة بالمرضى التي تقدمها المستشفيات والجمعيات الطبية المعتمدة والمواقع الإلكترونية للهيئات الحكومية فهي مصادر موثوقة.

 

·        التأكد إذا كان هناك شخص مسؤول عن المحتوى المنشور، وهوية هذا الشخص إن وجد . وتوخى الحذر من المواقع الإلكترونية او مواقع التواصل الاجتماعي التي يُعرض فيها شيء للبيع . كما ينبغي الحذر من مجارات أصحاب المراكز الصحية الربحية والذين يعمدون لنشر نتائج بحوث ضعيفة صادمة في مواقع التواصل الخاصة بهم كأداة لجذب المزيد من المتابعين  والزبائن ، في حين أنّ المؤسسات الطبية العريقة تعتمد فقط البحوث العلمية ذات معايير الجودة، التي صمّمت لتصفية الأخطاء والتحيُّزات، فبينما يتم انتاج الاف الدراسات  العلمية سنوياً  يُسحَب، قرابة 2% منها بعد اكتشاف أخطاء جسيمة بسبب تزييف النتائج والتلاعب بها. 

 

·        ينطبق هذا القول على موضوع مأمونية اللقاحات فقد قرّرت منظمة الصحة العالمية، أن تساعد متصفحي  الانترنت من الجمهور العام بالتحقق من  المعلومات التي تنشر في هذا الموضوع واوصت بقائمة من المعايير التي لابد للمواقع التي تقدم معلومات عن اللقاحات أن تلتزم بها. وقد اعدت هذه المعايير  من قبل اللجنة الاستشارية المعنية بمأمونية اللقاحات لتساعد القرّاء لتحديد موثوقية كل موقع .

 

·       وأخيرا فإن توفر المعلومات المتعلقة بالصحة على الانترنت او في مواقع التواصل الاجتماعي لا يمكن أن تغني عن التواصل بين المريض والطبيب . أن الأطباء يطرحون الأسئلة ويجرون الفحص البدني ويطلبون فحوصا مخبرية، وهي ادوات تشخيصية  مهمة  للغاية  لن تجد أياً منها في هذه المواقع؛ هذا علاوة  على عامل الخبرة والتحليل المنطقي اخذا بكل الاعتبارات العلمية والمهنية والإنسانية والتي لا يمكن لأي برنامج أو موقع ان يتضمنها جميعا في ذات الوقت

التعليقات

حاليا لا يوجد أي تعليق.

سجل الدخول لإضافة تعليق

rating - 1 starrating - 2 starrating - 3 starrating - 4 starrating - 5 star